الرد علي من اتهم بعض الخلفاء المسلمين بالشذوذ
تعرض التاريخ الاسلامي لكثير من البحوث والاستكشاف من خلال البحث في كتب التاريخ او البقايا المعمارية الباقية حتي الان علي الارض. وشانه شان كل شيء كان لابد من وجود النقد سواء لبعض الحكام او الفترات او الاحداث وهو امر صحي في البحث والنظر. ولكن الغير مقبول هو ان يتم تشويه التاريخ الاسلامي وتزويره للنيل منه والحط من قدره وبالتالي يتم تشويه صورة الاسلام والمسلمين قديما وحديثا .
ونتعرض
هنا لجانب من الجوانب التي تم تزويرها بهدف تشويه صورة الخلفاء والحكام المسلمين
والذين بالتأكيد غير معصومين من الخطأ لكن ان يتم نسب بعض الفواحش اليهم ومنها
فاحشة ( اللوطية ) دون دليل فهذا مما لاشك فيه امر لا يستحق السكوت عنه . ونعرض
هنا لبعض الخلفاء الذين نسب اليهم مثل ذلك مع مناقشة اقوال المدعين بذلك .
اولا : الخليفة الاموي الوليد بن يزيد
الوليد بن عبد الملك |
حيث
يحاول بعض الباحثين المعاصرين الصاق تهم اللوطية به بناء علي بعض الاخبار المذكورة
في كتب التراجم وخاصة ما ذكر عنه في كتاب (سير اعلام النبلاء ) للذهبي . فرغم أن الوليد استهل عهده بزيادة رواتب الجند ــ وقد يسر له ذلك كثرة
الأموال التي تركها له عمه هشام، الذي اشتهر بتدبير الأموال ــ ورغم أنه اشتهر
بصفات حسنة وميل الي فعل الخير علي حد تعبير ابن كثير الذي يقول : (ثم ان الوليد بن يزيد سار في الناس سيرة حسنة بادئ الرأي واخرج من
بيت المال الطيب والتحف لعيالات المسلمين وزاد في أعطيات الناس ولا سيما اهل الشام
والوفود وكان كريما ممدوحا شاعرا مجيدا لا يسأل عن شيء فيقول لا(، رغم هذه البداية الطيبة إلا
أن الوليد لقي مصرعه علي اثر ثورة اقامها ضده بتدبير ابن عمه يزيد بن الوليد بن
عبد الملك وبعض أبناء عمومته الاخرين، هشام وسليمان والحجاج. وقد نجح هؤلاء في
تلطيخ سمعة الوليد واتهموه بالفسق والفجور واللواط والعكوف علي شرب الخمر والغناء،
حتي اتهموه انه هم بان يشرب الخمر فوق الكعبة عندما امره عمه هشام علي الحج سنة
119 هـ كما اتهم بانه اهان المصحف الشريف الي غير ذلك من التهم الشنيعة التي
الصقها أبناء البيت الأموي بابن عمهم، والحقيقة انه بالتكامل والبحث في النصوص
اتضح ان هذه التهم مبالغ فيها، بل تكاد تكون مختلقة من أساسها بدافع الحقد
والخصومة، فبعض المصادر التاريخية تروي ما يدل علي ان الوليد لم يكن علي هذه
الصورة الماجنة الفاجرة، فابن الأثير يروي ان الوليد كان عفا ذا مروءة وكان ينهي الناس عن الغناء لأنه يزيد في
الشهوة ويهدم المروءة، ثم يقول : (وقد نزه قوم الوليد مما قيل فيه وانكروه ونفوه عنه، وقالوا :
انه قيل عنه وليس بصحيح) (3). وروي الطبري وتابعه ابن الأثير وابن كثير انه لما احاط اتباع يزيد ابن الوليد بالوليد بن يزيد في قصره وحصروه قبل
أن يقتلوه، قالوا : (فدنا الوليد من الباب فقال اما فيكم رجل شريف له حسب
وحياء اكلمه، فقال له يزيد بن عنبسة السكسكي، كلمني قال له : من أنت ؟ قال :
انا يزيد بن عنبسة، قال : يا أخا السكاسك، الم ازد في اعطياتكم ؟ الم ارفع
المؤن عنكم ؟ الم اعط فقرائكم ؟ الم اخدم زمانكم ؟ فقال :انا ما ننقم عليك في
انفسنا، ولكن ننقم عليك في انتهاك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح امهات أولاد ابيك
واستخفافك بأمر الله، قال : حسبك يا أخا السكاسك فلعمري لقد اكثرت واغرقت وان
فيما احل لي لسعة عما ذكرت ورجع الي الوراء واخذ مصحفا وقال يوم كيوم عثمان، ونشر
المصحف يقرأ، ثم قتلوه، وكان آخر كلامه قبل أن يقتل، أما والله لئن قتلت لا يرتق
فتقكم ولا يلم شعثكم ولا تجتمع كلمتكم) (4). فهذا يدل علي ان التهم التي الصقت
بالوليد كانت باطلة أشاعها حوله اعداؤه من أبناء اعمامه ثم كيف لإنسان ان يصدق ان
الوليد ــ وكان ولي عهد يعني خليفة المسلمين في المستقبل ــ يهم بشرب الخمر فوق
الكعبة وهو أمير الحج ؟ ! وهل ضاقت عليه الدنيا حتي لم يجد مكانا يشرب فيه
الخمر غير الكعبة، ان هذا لو حدث من حاكم مسلم في عصرنا هذا لرماه الناس بالحجارة،
فكيف بالوليد ــ خليفة المسلمين ــ وهو في عصر قريب من عصر النبوة والخلافة
الراشدة وملئ بالعلماء والصالحين من التابعين.
وروي ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (5 / 355 - 356) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ. عَنْ أَبِيهِ. قَالَ:
" كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقْدَحُ أَبَدًا عِنْدَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
فِي خَلْعِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ وَيَعِيبُهُ .وَيُذْكَرُ أُمُورًا عَظِيمَةً لا يَنْطِقُ بِهَا، حَتَّى يَذْكُرَ
الصِّبْيَانَ أَنَّهُمْ يُخَضِّبُونَ بِالْحِنَّاءِ. وَيَقُولُ لِهِشَامٍ: مَا
يَحِلُّ لَكَ إِلا خَلْعُهُ. فَكَانَ هِشَامٌ. لا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. لِلْعَقْدِ
الَّذِي عَقَدَ له
".
ومثل
هذا لا يصلح حجة ؛ لأننا لا نعلم مدى ثقة وعدالة الذي أخبر الزهري بأسرار الوليد،
خاصة وأن هناك شبهة تنافس على الملك في ذلك الوقت ، ومحمد بن عمر شيخ ابن سعد هو
الواقدي وهو متهم بالكذب في روايته.
وأما قول أخيه سليمان بأن الوليد قد راوده. كما رواه الطبري في "التاريخ" (7 / 250 - 251) عن أحمد بن زهير وهو ابن أبي خيثمة، عن المدائني
علي بن محمد، عن عمرو بن مروان الكلبي: " لما قتل الوليد قطعت كفه اليسرى،
فبعث بها إلى يزيد بْن الوليد ، فسبقت الرأس ، قدم بها ليلة الجمعة، وأُتِيَ برأسه
من الغد، فنصبه للناس بعد الصلاة...
ثم –
أمر بأخذ الرأس - إلى أخيه سليمان، وكان سليمان أخو الوليد ممن سعى على أخيه، فغسل
ابن فروة الرأس، ووضعه في سفط ، وأتى به سليمان، فنظر إليه سليمان، فقال: بعدا له!
أشهد أنه كان شروبا للخمر، ماجنا فاسقا، ولقد أرادني على نفسي الفاسق ، فخرج ابن
فروة من الدار، فتلقته مولاة للوليد، فقال لها: ويحكِ! ما أشدَّ ما شتمه! زعم أنه
أراده على نفسه! فقالت: كذب والله الخبيث، ما فعل، ولئن كان أراده على نفسه لقد
فعل ، وما كان ليقدر على الامتناع منه
" .
فهذا الخبر فيه عمرو بن مروان الكلبي، وقد
سُمِّي في كتاب ابن عساكر "تاريخ دمشق" (45 / 337) باسم "عمر بن مروان" ولم يذكر ابن عساكر
من الرواة عنه إلا علي بن محمد هذا المدائني، ولم نقف على من وثّقه، فالله
أعلم بحاله.ومتن هذا الخبر ليس فيه حجة، فسليمان كان عدوا لأخيه الوليد كما في هذا
الخبر، وشهادة العدو لا تقبل، ثم إن جاريته نفت هذا عنه ، واتهمت سليمان بالكذب.
ثانيا : الخليفة الامين بن هارون الرشيد :
الخليفة الامين بن هارون الرشيد
|
ونفس
ما سبق يقال عمّا اتهم به الخليفة العباسي الأمين محمد بن هارون الرشيد،
وتهمته أضعف، فلم نقف على اسناد لهذه التهمة، فقد ساقها الطبري بغير اسناد؛ حيث قال رحمه الله تعالى:
"
ذكر عن حميد بن سعيد، قَالَ: لما ملك محمد،
وكاتبه المأمون، وأعطاه بيعته، طلب الخصيان وابتاعهم، وغالى بهم، وصيرهم لخلوته في
ليله ونهاره، وقُوّام طعامه وشرابه، وأمره ونهيه، وفرض لهم فرضا سماهم الجرادية،
وفرضا من الحبشان سماهم الغرابية، ورفض النساء الحرائر والإماء حتى رمى بهن "
انتهى من "تاريخ
الطبري" (8 / 508).
ثم إن هذه الرواية ليس فيها تصريح بالفاحشة؛
فغاية ما فيها أنه اكتفى بهم في خدمته دون النساء، ثم إن هذه الرواية لا تتوافق بل
تعارض سائر الأخبار عن سيرته أثناء ملكه، حيث كان ذا زوجة وولد، وكانت تظهر
الجواري في خدمته ولهوه، ولما ماتت جاريته أم ولده حزن عليها حزنا شديدا، وكذا ما
روي من إنكاره على أبي نواس الشاعر.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
وذكروا أنه كان كثير الأدب، فصيحا، يقول
الشعر ويحبه، ويعطي عليه الجوائز الكثيرة، وكان شاعره أبا نواس، وقد قال فيه أبو
نواس مدائح حسانا جدا، وقد وجده مسجونا في حبس الرشيد مع الزنادقة، فأحضره،
وأطلقه، وأطلق له مالا، وجعله من ندمائه، ثم حبسه مرة أخرى في شرب الخمر وأطال
حبسه، ثم أطلقه، وأخذ عليه العهد أن لا يشرب الخمر، ولا يأتي الذكران من العالمين،
فامتثل ذلك، وكان لا يفعل شيئا من ذلك بعدما استتابه الأمين، وقد تأدب على الكسائي،
وقرأ عليه القرآن " انتهى من "البداية والنهاية" (14 / 104).
لكن لعل ما اشتهر به من اللهو: سهّل على
خصومه رميه بالتهم، وكان وقته وقت تنازع على الملك مع أخيه المأمون، وكان خلف هذا
الصراع صراع بين عصبية الفرس والتشيع التي كانت في جهة المأمون، والعرب التي كانت
في جهة الأمين. فالحاصل: أن التهمة في حقه ضعيفة جدا؛
ولذا قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"
الخليفة، أبو عبد الله محمد بن الرشيد هارون،
ابن المهدي محمد، ابن المنصور الهاشمي، العباسي، البغدادي.وأمه: زبيدة بنت الأمير جعفر ابن المنصور.عقد له أبوه بالخلافة بعده، وكان مليحا، بديع الحسن، أبيض، وسيما، طويلا،
ذا قوة، وشجاعة، وأدب، وفصاحة.ولكنه [كان] سيئ التدبير، مفرط التبذير، أرعن، لعابا، مع صحة
إسلام ودين " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (9 / 334 – 335).
الواثق بالله بن المعتصم بن هارون الرشيد:
فقد
ادعي بعض الكتاب ايضا انه كان يتنقل من غلام إلى آخر، وهام عشقا بالصبيان والغلمان
حتى ملكوا عليه وجدانه، إلا أن غلاما مصريا اسمه مهج، استطاع اللعب بعواطفه. يقال إن رضا مهج عن
الخليفة كان يوم سعد المسلمين، فقد كان يدخل على الخليفة كل صباح وهو جالس بين
الوزراء والحاشية ومهج يمشي إليه منثنيا، منكسر النظرة، مترنح الخطوة، مترجرج
الأعطاف. ويناول الخليفة وردا ونرجس.
ويكفي
في الرد علي هذا انه ليس له أي مستند او دليل في كتب السير والتاريخ والا فليذكروا
المراجع التي اتو منها بهذا الكلام فاذا رجعنا الي مصادر التاريخ نري انه ذكر بعكس
ذلك اطلاقا جاء في كتاب الأعلام، لخير الدين الزركلي (هارون ( الواثق بالله ) ابن محمد ( المعتصم بالله ) ابن هارون الرشيد
العباسي، أبو جعفر: من خلفاء الدولة العباسية بالعراق. ولد ببغداد، وولي الخلافة
بعد وفاة أبيه ( سنة 227 هـ ) فامتحن الناس في خلق القرآن. وسجن جماعة، وقتل في
ذلك أحمد بن نصر الخزاعي، بيده ( سنة 231 ) قال أحد مؤرخيه: كان في كثير من أموره
يذهب مذهب المأمون، وشغل نفسه بمحنة الناس في الدين، فأفسد قلوبهم. ومات في
سامراء، قيل بعلة الاستسقاء. وقال ابن دحية: كان مسرفا في حب النساء، ووصف له دواء
للتقوية، فمرض منه، وعولج بالنار، فمات محترقاً. وأورد ( في النبراس ) تفصيل
احتراقه، وخلافته خمس سنين وتسعة ( أو ستة ) أيام. وكان كريماً عارفاً بالآداب
والأنساب، طروباً يميل إلى السماع، عالماً بالموسيقى، قال أبو الفرج: " صنع
الواثق مئة صوت ما فيها صوت ساقط " وكان كثير الإحسان لأهل الحرمين حتى قيل
إنه " لم يوجد بالحرمين في أيامه سائل ".)
وجاء في تاريخ الطبري (هذا هو الواثق بالله، كانت
خلافته خمس سنوات، قضى فيها على الثورات التي قامت في عهده، ولقَّن الخارجين على
الدين والآداب العامة درسًا لا ينسى، وعزل من انحرف من الولاة، وصادر أموالهم التي
استولوا عليها ظلمًا وعدوانًا، وأغدق على الناس بمكة والمدينة حتى لم يبقَ سائل
واحد فيهما. وفى عهده فتحت جزيرة "صقلية"، فتحها الفضل بن جعفر الهمدانى
سنة 228هـ/ 843م.
قامت
عدة ثورات في عهده في الشام وفلسطين بسبب الاحتكاكات بين السكان العرب والجيوش
التركية التي شكلها والده، المعتصم. الثورات تم إخمادها، إلا أن جذوة النقمة
تضاعفت بين الأهالي وكانت وفاته فى سامراء بالحمى سنة (232هـ/847)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق