محمد بن القاسم الثقفي - نور المعرفة

اخر الأخبار

اعلان

اعلان

الاثنين، 2 مارس 2020

محمد بن القاسم الثقفي

محمد بن القاسم الثقفي

ولادته ونشاته :

هو محمد بن القاسم بن محمد بن الحَكَم بن أبى عقيل بن مسعود بن عامر بن مُعَتِّب الثقفى, وُلد محمد بن القاسم الثقفى عام 72هـ , وكان أبوه القاسم بن محمد واليا على البصرة للحجاج بن يوسف , فنشأ محمد منذ نعومة أظفاره بين الأمراء والقادة : أبوه أمير , وابن عم أبيه الحجّاج أمير العراقيين وظهرت علامات النبوغ والقيادة على محمد بن القاسم منذ صغره وهو مازال فتى صغيرا وكان محط أنظار ابن عمّ أبيه الحجّاج بن يوسف الثقفى - وكان بمثابة عمّه .
كانت بلاد السند هى بوابة مملكة الهند ومفتاح شبه القارة الهندية , وكانت وقتها الدولة الإسلامية فى ريعان شبابها وكانت تمتلك أعتى الجيوش وكانت الفتوحات الإسلامية تتوسع شرقا وغربا وشمالا وجنوبا , وكان خليفة المسلمين وقتها هو الوليد بن عبد الملك – رحمه الله , وكان والى العراق والمشرق هو الحجّاج بن يوسف الثقفى .. وكانت الدولة الإسلامية حينئذ هى أقوى الدول فى العالم ويخطب ودّها كافة الممالك المجاورة كالدولة البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية وكممالك الهند والسند وكان أعظم ملوكها وأقواهم بأساّ هو الملك (داهر) بن صصَّة والملك (دوهر) وكانت هناك ممالك الصين .






إن سيرة هذا البطل الذي سوف نتحدث عنه هو فخر وعز واستعلاء للأمة الإسلامية والدين الإسلامي، الأمة التي كان من أبنائها مثل هذا البطل الذي قاد الجيوش الجرارة وولى الأقاليم الكبيرة وفتح المدن العريقة وأدخل الإسلام إلى بلاد السند والهند وأباد ملوك الكفر وحطم الأوثان والمعابد الشركية، قام بذلك كله وهو فتى في ريعان شبابه ولم يبلغ العشرين، فحرى بكل أب مسلم أن يربى أبناءه على سيرة أمثال هذا البطل الذي ينبغي أن يكون قدوة للشباب الذين تاهت عقولهم في أودية الدنيا ولم يعد أمامهم مثل هذا البطل القدوة .
ظلّ فتح الهند حلم يراود المسلمين من العصور الأولى وفى زمن الخلفاء الراشدين وبدأ التوجه لبلاد السند (باكستان حاليا) منذ زمان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه .. وكان انتصار المسلمين فى معركة القادسية فى عهد عمر بن الخطاب إيذانا لهم بفتح السند , فقد استنجد كسرى الفرس ببعض ملوك البلاد المجاورة ومنها مملكة السند, حيث أمده ملك السند بالمال والرجال, الأمر الذى اضطر المسلمين بمهاجمة السند ردا على تدخلهم ضدهم فى معركة القادسية, ولذلك فإن البلاذرى يحدثنا عن حملات إسلامية مبكرة على السند كان أولها فى عهد عمر بن الخطاب, وكان ثانيها فى عهد على بن أبى طالب, كما نفهم من رواية البلاذرى أن عثمان بن عفان كان ايضا مهتما بتقصى تحركات السند , ولكن كانت أكبر الحملات التى وُجهت الى الهند وأعظمهما على الإطلاق هى تلك الحملات التى قادها القائد الفذ محمد بن القاسم فى زمان الدولة الأموية.


معالم البطولة:

عندما تولى \'محمد بن القاسم\' قيادة الحملة الجهادية المتجه إلى بلاد السند اشترط على \'الحجاج بن يوسف الثقفي\' عدة شروط تبرهن على مدى الكفاءة القيادية والقتالية لمحمد بن القاسم منها:
 1. أن يكون الجيش كامل التجهيز والإعداد والمؤن حتى لا تتوقف سيرة الفتح، فأمده الحجاج بجيش يقدر بستة آلاف مقاتل مجهزين بكل شيء حتى المسال والإبر والخيوط.
 2.  أن يرافق الجيش البرى أسطول بحرى ليكون الهجوم مزدوجاً وفى اتجاهين، ووافق الحجاج.
 3.  أن يواصل الجهاد والسير حتى ينتهي من فتح بلاد السند كلها، ووافق الحجاج

بعد الفتح

 بعد فتح مدينة 'الدبيل' أحصن مدن السند، واصل محمد بن القاسم سيره، فكان لا يمر على مدينة إلا فتحها وهدم معابد الوثنية والبوذية بها وأقام شعائر الإسلام وأسكنها المسلمون وبنى المساجد حتى غير خريطة البلاد تماماً وصبغها بصبغة إسلامية تامة 
استطاع محمد بن القاسم أن يبهر الهندوس بشخصيته القوية الحازمة وقد تعجبوا من شجاعته وحسن قيادته لجيش كبير وهو دون الثامنة عشر، وبالفعل أسلم عدد كبير من الزط وهم من بدو الهنود وانضم منهم أربعة آلاف رجل يقاتلون مع محمد بن القاسم وكان لهم أثر كبير في القتال لخبرتهم بالبلاد ومعرفتهم للغة الهنود .
كانت الأخبار قد وصلت إلى ملك الهند الوثنى 'داهر' فاستعد للقاء المسلمين بجيوش كبيرة مع سلاح المدرعات الشهير وهم الفيلة، وقد داخله الكبر والعجب لضخامة جيوشه واستخف بالمسلمين لقلتهم، ولكنه فوجىء بالإعصار الإسلامى يعبر نهر 'مهران' الفاصل بينه وبين المسلمين، ويجد 'داهر' الذى كان على ظهر فيل كبير نفسه وجهاً لوجه مع محمد بن القاسم وجنوده، ويقتتل الفريقان قتالاً مهولاً لم تشهد مثله أرض السند من قبل ويرى 'داهر' جنوده صرعى من حوله تتخطفهم سيوف المسلمين، فنزل من على ظهر فيله المنيع ويقاتل بنفسه حتى يأتيه قدره المحتوم ويقتله المسلمون وينشد قاتله هذه الأبيات : ـ
الخيل تشهد يوم داهر والقنا ***** ومحمد بن القاسم بن محمد

إنى فرجت الجمع غير معرد ******* حتى علوت عظيمهم بمهند

فتركته تحت العجاج مجندلاً ******** متعفر الخدين غير موسد
وبمقتله أدرك المسلمون ثأرهم وانفتحت أمام بلاد السند على مصراعيها وقد قامت امرأة 'داهر' بحرق نفسها هى وجواريها ووقعت 'صيتا' ابنة داهر في الأسر .
بعد مقتل 'داهر' واصل محمد بن القاسم سيره ليحقق الهدف الأكبر والأبعد كما قلنا بعد أن أنتقم من عدو الإسلام 'داهر' ففتح مدينة 'راور' ثم 'رهماناباذ' ثم استسلم إقليم 'ساوندرى' وأعلنوا إسلامهم ثم 'سمند' ثم فتح محمد بن القاسم مدينة 'الملتان' وذلك بعد قتال عنيف إذ كانت معقل البوذية بالسند وغنم منها أموالاً طائلة حملت كلها إلى الحجاج وقدرت بمائة وعشرين مليون درهم، ومع الغنائم رأس الطاغية 'داهر' وكانت الحملة قد تكلفت ستين مليون درهم فقال الحجاج كلمته الشهيرة [شفينا غيظنا وأدركنا ثأرنا وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس 'داهر' .

نهاية محزنة

وظلّ محمد بن القاسم يتقدم من نصرٍ الى نصر , وكان يستعد لفتح مملكة (قَنوج) أعظم إمارات الهند , وكانت تمتد من السند الى (البنغال), وكان قد أوفد بعثة من رجاله الى ملكها تدعوه الى الإسلام او الجزية, فردّ الملك الوفد ردّا غير كريم , فأخذ محمد يعد العدّة لفتحها وجهز جيشا فيه عشرة آلاف من الفرسان, وبينما كان يتهيأ لهذا الفتح العظيم إذ جاءه خبر وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك وتولى أخوه سليمان بن عبد الملك الخلافة 
نهاية محمد بن القاسم :
كانت وفاة الوليد بن عبد الملك 96هـ وتولى سليمان بن عبد الملك خليفة المسلمين هى نهاية محمد بن القاسم الثقفى رحمه الله , وذلك بسبب البغض الذى كان يكنّه سليمان بن عبد الملك للحجاج بن يوسف الثقفى وأهل بيته وكل عمّاله على الأقاليم والثغور ...
لأن الوليد بن عبد الملك فى آخر أيامه أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك من ولاية العهد ويعطيها لابنه عبد العزيز بن الوليد .. فبايع الحجاج بن يوسف الوليد فى خلع سليمان 
فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة بدأ يغيّر ولاة الحجاج , وأعطى العراق لرجلا كان من ألدّ أعداء الحجاج وهو صالح بن عبد الرحمن , وكان الحجاج قد قتل أخوه سابقا , فقرر صالح بن عبد الرحمن أن ينتقم من أقرب الناس الى الحجاج وهو محمد بن القاسم, فعزله عن السند وولى رجلا من صُنّاعه وهو يزيد بن أبى كبشة, وأمره بالقبض على محمد... وبدأت المآساة 
أخذ يزيد بن كبشة السكسكى أمير السند الجديد محمد بن القاسم وقيّده وحمله الى العراق , فقال محمد بن القاسم متمثلاً
أضاعونى وأىّ فتى أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغرِ
وهنا بكى أهل السند على محمد بن القاسم , فقد كان قائدا يحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , ولحسن معاملته لهم وتأمينهم على أموالهم وأنفسهم وإطلاق حرية العبادة لهم, ورحب الهنود بحكم المسلمين لهم لأنهم قاسوا كثيرا من ظلم وجور الهندوس , وتجلى ذلك فى إقبالهم على محمد بن القاسم يدقون الأجراس ويقرعون الطبول ويرقصون رقصاتهم الشعبية.
فلما وصل محمد بن القاسم الى العراق , حبسه صالح بن عبد الرحمن بـ(واسط) , فقال محمد رحمه الله :
فلئن ثَويتُ بواسطْ وبأرضها *** رهن الحديد مكبلاً مغلولا
فلرُبّ قَينةَ فارسٍ قد رَعَتْها *** ولربَّ قَرنٍ قد تركتُ قتيلا
وقال أيضا :
ولو كنت أجمعَتُ الفِرارَ لوطئتُ *** إناثٌ اُعدّت للوَغَى وذكورُ
وما دخلتْ خيلُ السكاسِكِ أرضنا *** ولا كان من (عَك) علىّ أميرُ
ولا كنت للعبد (المزونى) تابعاً *** فيالك دهرٌ بالكرامِ عثورُ
وكان محمد بن القاسم يهتف فى أعماق سجنه وفى ظلماته :
أتنسى بنور مروان سمعى وطاعتى *** وإنى على ما فاتنى لصبور
فتحت لهم ما بين (سابور) بالقنا *** الى (الهند) منهم زاحف ومغير
فتحت لهم ما بين (جُرجان) بالقنا *** الى الصين القى مرة وأُغير
فعذبه صالح بن عبد الرحمن حتى قتله , ويُقال بأن صالح بن عبد الرحمن عذّب محمدا فمات من العذاب.. عام 96هـ رحمه الله 
مات القائد الفاتح الشاب الذى لم يتجاوز عمره سبعة عشر عاما حين قاد جيوش المسلمين لفتح بلاد الهند , الذى قال فيه يزيد بن الأعجم :

ساس الجيوش لسبع عشر حجة *** ولداته عن ذاك فى أشغالِ
فغدت بهم أهواؤهم وسمت به *** همم الملوك وسورة الأبطالِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اعلان