قصص من القراءن - نور المعرفة

اخر الأخبار

اعلان

اعلان

الثلاثاء، 3 مارس 2020

قصص من القراءن

قصص من القراءن

أصحاب السبت


فهذه القصة العظيمة التي وردت في عدة مواضع من القرآن، وجعلها الله عز وجل موعظة للمتقين، كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة:65، 66]، فكل من اتقى الله عز وجل وعلم هذه القصة، فهو ينتفع بها ويتعظ، ويعلم أهميتها في حياة المسلمين عموماً وخصوصاً  أحداث هذه القصة في قرية تسمي "أيلة" وهي تقع علي شاطئ بحر القزم، قال ابن عباس: إن قوماً من بني إسرائيل في زمن داود "عليه السلام" سكنوا قرية علي شاطئ البحر بين مصر وحطين يقال لها "أيلة" وقال أيضًا: إن الله افترض على بني إسرائيل اليوم الذي أُفترض عليكم في عيدكُم "يوم الجمعة" فخالفوا إلى السبت فعظموا وتركوا ما أُمروا به، فلما أبوا إلا لزوم السبت ابتلاهم الله فيه، فحرم عليهم ما أُحل لهم في غيره، فحرم عليهم في "السبت" صيد الحيتان وأكلها وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم الحيتان شرعًا إلى ساحل بحرهم، حتى إذا مضى يوم السبت، ذهبن فلم يروا حوتًا صغيرًا ولا كبيرًا، حتى إذا جاء السبت الذي يليه آتين سرًا، فإذا ذهب السبت ذهبن وقد اخترع اليهود قصة قبيحة من باطلهم لتعليل تحريم العمل يوم السبت وهي : أن الله تعالي بعد ان خلق العالم ابتداء من يوم الأحد ، انتهي يوم الجمعة واستراح في اليوم السابع لأنه تعب : فوجب علي العباد أن يستريحوا ، أيضا ويتركوا العمل ويتفرغوا للعبادة :
وهذا من عظيم جهلهم و عظيم ظلمهم ، فرد الله عليهم : ولقد خلقنا السموات و الأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب . فاصبر علي ما يقولون .. الآية لغوب يعني : الإعياء الشديد .
فاخترعوا هذا الباطل ، وهم دائما يحرفون و يخترعون وهم طيلة أيام الأسبوع مشغولون بالكسب و المعاش ، فلهم الويل مما يضعون ويخترعون .
كان عمل هذه القرية صيد السمك ، وبدأ اعتداؤهم بصيد السمك يوم السبت _ بشيء عجيب ، قال سبحانه وتعالي : " إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ " في يوم السبت المحرم عليهم العمل فيه يجدون البحر مليئا بالأسماك ، والحيتان هنا معناها السمك ، وهي كذلك في كلام العرب ، كل سمكة تسمي حوتا ، فكانت الأسماك تأتيهم يوم السبت في البحر شارعه زعانفها وخراطيمها في المياه ، تظهر نفسها ، والأسماك - قطعا- لا تدرك أيام الأسبوع ، ولكن قدر الله هذا الأمر العجيب ويوم لا يسبتون لا تأتيهم باقي أيام الأسبوع لا تأتيهم ، لا يكون في البحر سمكة واحدة ، فسبحان الله .

سيدنا يوسف عليه السلام


نشأ يوسف في بيت أبيه يعقوب -عليهما الصلاة والسلام- مع إخوته الإحدى عشر، وكما يبدو من وقائع القصة أنّ أباه كان يحبه حبّاً جماً، وفي أحد الأيام قصّ يوسف -عليه السلام- رؤيا رآها في منامه على أبيه، مفادها أنّه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فعلِم يعقوب -عليه السلام- أنّ يوسف سيكون له شأن عظيم في المستقبل، وحذّره من أن يقصّ رؤياه لإخوته خوفاً من حسدهم ومكرهم، قال الله تعالى: (إِذ قالَ يوسُفُ لِأَبيهِ يا أَبَتِ إِنّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأَيتُهُم لي ساجِدينَ*قالَ يا بُنَيَّ لا تَقصُص رُؤياكَ عَلى إِخوَتِكَ فَيَكيدوا لَكَ كَيدًا إِنَّ الشَّيطانَ لِلإِنسانِ عَدُوٌّ مُبينٌ)،فقام الإخوة بالإحتيال على أبيهم بأن يأخذوا يوسف ليلعب معهم، لكنّ الأب رفض طلبهم بحجّة الخوف من أن يأكله الذئب، وبعد محاورة دارت بينهم وافق الأب على اصطحابه معهم بعد أن أخذ منهم عهداً برعايته والمحافظة عليه.
عاد الأولاد في المساء وهم يبكون وأخبروا أباهم أن الذئب أكل يوسف، لكنّ يعقوب عليه السلام عرف كذبهم، وإشتدّ حزنه وبكاؤه.قاموا بخلع قميصه وعمدوا إلي سخله ذبحوها وأخذوا من دمها و وضعوه علي قميصه وألقوه في البئر ، وذهبوا في المساء إلي أبيهم وهم يبكون ليحكوا له قصة الذئب المؤلفة . أخبروه بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب على غفلة، وأكل يوسف.وقتها أدرك يعقوب عليه السلام من كذبتهم ، وأن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنه سيصبر ويتوكل علي الله بقوله (بل سولت لكم أنفسكم امراً فصبرجميل والله المستعان )
مرت قافلة قرب البئر الموجود به يوسف فأمروا أحدهم أن يأتيهم ببعض الماء من البئر فلما أنزل الدلو تعلق به سيدنا يوسف فأستبشروا به وأخذوه مع بضائعهم إلي مصر واشتراه بعد ذلك عزيز مصر وقال لزوجته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وأحضر له المعلمين وقال لعل علمه هذا ينفعنا يوماً وهكذا سخر الله العزيز وزوجته للأعتناء بيوسف وعلمه الله من تأويل الأحاديث والرؤىا وعندما بلغ من العمر الأربعين أتاه الله النبوة والعلم بِخوافي الأمور
يوسف عليه السلام وامرأة العزيز وإبتلاء العفة
ولكنها لا تنتهي الإبتلاءات ليوسف عليه السلام كان يوسف أجمل رجال الأرض فقد أعطاه الله شطر الجمال ولذلك فُتنت به زوجة عزيز مصر ولبست أحسن ثيابها ودعته إليها كما ذكر في الآية الكريمة
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)
وراودته عن نفسها وأغلقت الأبواب ولكن يوسف تمنع عنها وأخبرها أن العزيز هو من أحسن إليه وله الفضل عليه وأتجه يوسف نحو الباب فلحقته ومزقت قميصه من الخلف فإذا بزوجها فبدأت تبكي وتتهم يوسف عليه السلام أنه هو الذي يريد بها السوء فقال يوسف للعزيز إنها هي من راودته عن نفسها وشهد شاهد من أهلها وتكلم طفل بالمهد من أحد أقاربها إن كان قيمصه مُزق من الأمام فيكون هو كاذب وهي صادقة وإن كان مُزق من الخلف فصدق وهي الكاذية فوجد العزيز القميص ممزق من الخلف وطلب منها أن تستغفر ربها وطلب من يوسف أن يتكتم الأمر
(قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ )
يوسف عليه السلام و نسوة المدينة
ولكن الأمر لم ينتهي وما زالت امرأة العزيز تحبه وأنتشر الخبر وعَلم به جميع نسوة المدينة وعلمت بذلك زوجة العزيز فقررت أن تعد مائدة كبيرة في القصر وتدعوا النسوة وأمرت يوسف أن يخرج عليهم فلما رأوه اندهشوا وجرحن أيديهن بالسكاكين وقالوا حاش لله وهي كلمة تعبر عن دهشتهم بصنع الله بجمال يوسف ، وقالوا انه ليس ببشر إن هذا إلا ملك كريم
و حرضت نسوة المدينة يوسف ليستجيب لرغبة سيدته فأبي هددوه بالسجن ولكن يوسف دعا الله بأنه يفضل السجن وأن لا يعصي الله فأستجاب الله له وأمر العزيز بوضعه في السجن لكي يظهر للناس أنه هو من راودها عن نفسها وينتهي كلام الناس في أمر زوجته .
يوسف و السجن
أثناء دخول يوسف السجن دخل معه رجلان وهم ساقي الملك وخبازه شاهدوا في يوسف حكمته وعبادته وتوكله علي الله فجاؤا يسألوه تفسير أحلامهم،فقد رأي أحدهم أنه يعصر الخمر من ثلاثة عناقيد عنب ويسقي منها الملك والأخر رأي أنه يحمل ثلاثة سلالٍ من الخبز علي رأسه و تقف الطيور وتأكل من علي رأسه.
أستغل يوسف عليه السلام هذه الفرصة ليحدث الناس عن رحمة الخالق وعظمته وحبه لمخلوقاته، وإن الله هو من علمه علم التأويل وأنه يؤمن وموحد لله تعالي وقام بتأويل رؤياهم
قال بأن الخباز سيصلب وتأكل الطير من رأسه وأن الساقي سيخرج من السجن ويعود ليسقي الملك وهذا الأمر سيحدث قريباً وطلب يوسف منه أن يذكره عند الملك ويخبره ما حل به من ظلم .
وبالفعل خرج الساقي من السجن ولكن الشيطان أنساه أن يذكر يوسف لبضع سنوات بقي يها يوسف بالسجن ولكن الله أراد إخراج يوسف وذات يوم رأي الملك رؤيا أنه يقف علي حافة النهر فرأي
(سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ )
فقص الملك رؤياه علي الحكماء والعلماء فأخبروه أن هذه الرؤيا لاتفسير لها وقتها تذكر الساقي الذي خرج من السجن يوسف وقدرته علي تفسير رؤيته فذكره عند الملك وطلب منه الذهاب إليه ليخبره تفسير الرؤيا فأخبرهم بأن ستأتيهم سبع سنوات يخضر بها الزرع وتعم الأرض بالغلات وبعدها سبع سنوات بها قحط وعن العام الذي سيأتي به الخير ويعودون إلي عصر ما كانوا يصنعون به الزيتون والعنب وأخبرهم ماذا يفعلوا ليتجاوزوا سنين القحط.
عندما عَلم الملك بعلم يوسف أراد مقابلته وبعث له رسول لأحضاره ولكن يوسف رفض وقال لرسول الملك أن يذهب إلي الملك يطلب منه أن يسأل العزيز عن التهم التي وُضع بها يوسف بالسجن لتظهر براءته أمام الناس.
تحقق الملك من الأمر وسأل امرأة العزيز وأخبرته أنه تمنع عنها وأعترفت بذنبها وظهرت براءة يوسف عليه السلام قبل خروجه من السجن .
خروج يوسف من السجن
أصدر الملك أوامره بالإفراج عنه وإحضاره إلي القصر و مكن الله ليوسف في الأرض، صار مسؤلاً عن خزائن مصر واقتصادها، وأصبح كبيراً للوزراء، ومر الوقت وجاءت سنوات الرخاء مسرعة وتصرف يوسف بعلمه وجاءت سنوات المجاعة والخراب تجاوزها يوسف بحكمته وأثناء سنين القحط أنتشر الخراب في جميع البلاد وجاء أخوة يوسف يطلبون الطعام منه فعرفهم يوسف علي الفور ولكنهم لم يعرفوه لأنهم لم يخطر ببالهم أن يصل لتلك المكانة .
أعطي أخوته الطعام وسألهم عن أنفسهم فأخبروه أنهم أثني عشر رجلاً ذهب منهم واحداً والأخر بقي مع أبيهم فطلب منهم أن يأتو بأخيهم في العام المقبل وهددهم بأنهم إن لم يأتو به فلا كيل لهم وطلب من فتيانه أن يعيدوا لهم البضاعة بالخفية خوفاً من أن لا يكون لديهم ما يعودون به في العام المقبل ليشتروا به القمح .
وعندما عادوا اخبروا يعقوب عليه السلام أنه إن لم يبعث معهم أخيهم بنيامين فإنه سيمنع الكيل عنهم و وافق يعقوب عليه السلام لحاجة أهله إلى الطعام في سنين والقحط ، وأخذ منهم العهود بالمحافظة عليه ، وطلب منهم ان يدخلوا من أبواب متفرقة وكان السبب في هذا أن لا يصابوا بالحسد.
عندما دخلوا إلى يوسف عليه السلام ومعهم أخوهم بنيامين رحب بهم كثيراً وأكرمهم وبعد ذلك أخبر بنيامين أنه أخوه وطلب منه أن يتكتم ذلك .
وأراد يوسف أن يأخذ أخاه منهم، فوضع صواع الملك في رحل أخيه بنيامين واتهمهم بالسرقة و استخرجوا الصواع من حمل بنيامين، وطلبوا منه أن يأخذ أحدهم بدلاً منه لأنهم أعطوا عهداً لأبيهم، ولكنه أبى أن يأخذ أحداً غير الذي سرق وأن ياخذ البريء عوضاً عنه. وقال سنطبق عليكم قانونكم .
عندما فشلوا بأرجاع بنيامين قال أحدهم أنه لم يستطيع مواجهة أبيه وبعد ما فعلوه بيوسف عليه السلام، وأنه لن يعود حتى يأذن له أبوه بالعودة أو أن يستيطع إرجاع بنيامين من الملك فلم يعود، وعندما عادوا إلى أبيهم وأخبروه بما حصل كذبهم وخاصةً بعدما فعلوه بيوسف، وليس من صفات بنيامين السرقة ، وتذكر حزنه القديم على يوسف وأستمر بالبكاء حتي أبيضت عيناه وفقد بصره .
رجع إخوة يوسف إليه بعد أن تدهور حالهم الاقتصادي إن فقرهم وحزن أبيهم ومحاصرة المتاعب لهم، أصابهم وأهلهم الضعف والقحط وأنهم لم يأتوا إلا بدراهم معدودة، وعندما دخلوا على يوسف عليه السلام رجوه أن يتصدق عليهم وأنتهي الأمر بهم إلى التسول.
فرق قلب يوسف وأخبرهم عن نفسه وعلم منهم ما حدث لأباه وإنه قد ابيضت عيناه من الحزن عليه خلع يوسف قميصه وأعطاه إليهم وطلب منهم أن يضعوه علي عين أبيهم ليعود إليه بصره وأخبرهم أن يرجعوا بأهلهم جميعاً ..
وبعد خروجهم من مصر قال يعقوب إني أشم ريح يوسف، وصل البشير وألقى قميض يوسف على وجه يعقوب عليه السلام فأرتد له بصره.
وأتي يعقوب إلي يوسف وخرج لأستقباله الملك والحرس بموكب تعظيماً ليوسف و عندما وصلوا أخذ أبيه وأمه وأجلسهما معه علي سريره وخروا له ساجدين ، وقد كان هذا تأويل الرؤيا في بداية قصته عليه السلام حين رأى الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين .
(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)

قصة سيدنا موسى والخضر



فقد كانت قصة موسى مع الخضر عليهما السلام من روائع القصص بما احتوته من غرائب الأخبار ، وعجائب الأمور ، وبرز فيها جليا علم الله المسبق لكل الحوادث ، والذي يحيط بكل شيء .
وتجلت فيها قدرة الله تعالى من أولها لآخرها ، لتكون تسلية وتعليما لموسى عليه السلام ، ومعجزة للخضر عليه السلام الذي نرجح نبوته قام موسى عليه السلام في بنى إسرائيل خطيبًا، فقالوا له: من أعلم الناس؟ قال: أنا، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أنَّ لي عبدًا أعلم منك، قال: ربِّ فأرنيه، قال: تأخذ حوتًا فتجعله في مكتل [ما يجمع فيه الطعام] فحيثما فقدته فهو، ففعل وجعل هو وصاحبه يمشيان على الساحل حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى عليه السلام، واضطرب الحوت في المكتل وقفز إلى الماء يشق طريقه فيه، كأنما صنع الحوت لنفسه في الماء نفقًا، فلما جاوزا المكان وأمعنا في السير حتى الصباح شَعَر موسى عليه السلام بالجوع والتعب، فقال لغلامه: آتنا طعام الصباح، قال له الغلام: إني نسيت الحوت عند الصخْرة وإن الحوت قفز إلى الماء، فرَجعا يَتَتبَّعَان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فوجدا عند الصخرة عبدًا صالحا من عباد الله، فسأله سيدنا موسى الصحبة والمتابعة بشرط أن يعلمه مما علَّمه الله، قال الخضر: إنك إذا أردت الصبر لما استطعت؛ لأن ما يجريه الله على يدي من الأمور يجعلك تسارع إلى الاعتراض عليه؛ لخفاء حكمته عليك، ولكن سيدنا موسى قال له: ستجدني ضابطًا لنفسي حين أرى ما يقتضي الإنكار ولا أخالف ما تأمرني به، فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير أجر، فلما ركبا قلع الخضر لوحًا من السفينة، ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، ثم سارا في طريقهما حتى حلَّا بإحدى القرى وطلب من أهلها إعطاءهما طعامًا يأكلانه، فرفض أهلها إطعامهما شحًّا ودناءة، فوجدا في القرية جدارًا يكاد يقع فهدمه الخضر ثم أعاد بناءه، ، وفي كل مرة يستنكر سيدنا موسى عليه فعله، فيذكِّره الخضرُ بالعهد الذي ارتبط به معه، حتى قال الخضر: حان لي فراقك ولكني قبل الفراق سأنبئك بتفسير ما قمت به من أعمال، أما السفينة التي خرقتها فقد كانت لضعفاء من الناس يعملون في البحر، ولا يقدرون على مدافعة الظلمة عن أنفسهم لضعفهم، فأردت بخرقها أن أُحدث فيها عيبًا يمنع الظالم من أخذها؛ لوجود هذا العيب فيها. وأما الغلام الذي قتلته فهو غلام شرير بطبيعته، وكان أبواه مؤمنيْن صالحيْن، وعلمنا أنه لو بلغ لأرهقهما طغيانًا عليهما وكفرًا بنعمتهما؛ بسبب عقوقه وسوء صنيعه، وأما الجدار الذي أقمته بدون أجر، فكان لغلامين مات أبوهما فأصبحا بعده يتيمين في القرية، وتحت هذا الجدار كنز لهما، استحقاه عمن قبلهما، وكان أبوهما صالحًا، فرأيت من المروءة أن أقيم الجدار على الكنز؛ حذرًا من انهيار الجدار المائل وظهور المكنوز تحته، فيستولي عليه من لا يستحقه من الناس، فأراد الله أن يَبلغ اليتيمان كمالَ قوتهما في الرأي والبدن، ويستخرجا كنزهما من تحت الجدار، فأمرني بإقامته.
(فدع الحكم على الناس واتركهم لرب الناس).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اعلان